“الشرعية” تترك عدن للفوضى .. “الإنتقالي” وصياً!
يمنات
إسماعيل أبو جلال
ما زالت الرؤية غامضة حول الأسباب التي أدت إلى مغادرة رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر مدينة عدن، منذ أكثر من شهرين وعودته إلى الرياض، بعد زيارته للقاهرة وعمان. وكان بن دغر قد التقى في القاهرة بصفته الحزبية والقيادية ببرلمانيين وقيادات تمثل الصف الأول في حزب «المؤتمر الشعبي العام»، ليلحق به بعد مضي شهر، الرئيس عبد ربه منصور هادي، في زيارة مماثلة للقاهرة، وعاد منها إلى الرياض أيضاً، بدلاً من العودة إلى عدن، ومنها توجه إلى واشنطن.
زيارة هادي إلى واشنطن جاءت وسط تكهنات عن تدهور حالته الصحية؛ ما أجبره على توجيه خطاب قصير، وصف بأنه خطاب تطميني، تعرض فيه إلى أبرز أولويات حكومته التي ما زالت تتمحور في الاستمرار بالحرب، تحت قيادة «التحالف».
وربط هادي الاحتياجات الأساسية للمواطنين بنتاجه الحرب، متجاهلاً تدهور الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن تدني سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، ما فتح الباب على مصراعيه أمام الفوضى العارمة التي اجتاحت مختلف المناطق المفترض وقوعها تحت سيطرة الرئيس هادي وحكومته.
أمام هذه الفوضى، استغل «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المدعوم من دولة الإمارات الفرصة، ودعا إلى انتفاضة شعبية في الجنوب، مطالباً بإسقاط «الحكومة الفاسدة»، لتبدأ الاحتجاجات بعدن، في يوم الأحد 3 من الشهر الجاري، وسط حالة من العنف من قبل المتظاهرين، توقفت على إثرها حركة المواصلات، وأغلقت المحال التجارية أبوابها في الأيام الأولى، فيما معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية ما زالت للأسبوع الثاني على التوالي مغلقة، وسط غياب كامل لأي معالجات حكومية.
هذه التطورات فتحت شهية «الإنتقالي الجنوبي» والقوات التابعة له على فرض وصايته في عدد من مناطق الجنوب، ومنها الإضافة الإجبارية لإتاوات مالية غير رسمية على قيمة المشتقات النفطية في مدينة عدن، تحت مبرر دعم المجهود الأمني الذي تقوم به القوات الموالية له (الحزام الأمني)، بدلاً عن الحكومة.
توقف الوزارات والمؤسسات
للأسبوع الثاني على التوالي، لا تزال معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية متوقفة عن أداء وظائفها في عدن. وخلال زيارة قام بها مراسل «العربي»، طاف فيها عديد وزارات ومؤسسات، وجد أنها ما زالت تغلق أبوابها أمام مرتاديها من المواطنين.
الحراس أمام بوابة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في حي خور مكسر، يمنعون الطلاب من خريجي الثانوية العامة القادمين من مختلف المحافظات اليمنية من دخول الوزارة، لتسليم ملفات الترشح للمنافسة على مقاعد المنح الدراسية في الخارج، تحت مبرر عدم وجود مواعيد مسبقة لمقابلات خريجي الثانوية العامة، فيما الحقيقة أن العملية لا تتطلب مقابلات، وإنما محدودة باستلام الملفات منهم، قبل انتهاء المدة المحددة في إعلان القبول.
إلى ذلك، تحدث إلى «العربي»، الطالب وائل عامر، من محافظة إب، قائلا: «نحن طلاب وطالبات من محافظات بعيدة، جئنا لتقديم ملفاتنا من أجل المنح الدراسية، ونريد تسليم ملفاتنا للإدارة المختصة، لكن الموظفين حتى اليوم لم يحضروا للعمل في الوزارة»، مضيفاً «عندما نسأل في البوابة عن السبب في ذلك، يردون علينا: لأن الطرق مغلقة، بفعل التظاهرات، وما فيش مواصلات».
وتساءل قائلاً: «ونحنا بالله عليكم ما ذنبنا في البقاء بالشارع ننتظر للموظفين، بينما اليوم الواحد الذي تبقى به في عدن مكلف جدا، إيجار فنادق ومواصلات ومصاريف يومية، نحن نريد أن ينقل قلقنا ومعاناتنا للعالم كله، حرام هذه البهدلة».
الحال ذاتها كانت أيضاً أمام وزارة الثقافة ووزارة النقل في ذات الحي. نبيل حسن عون، من موظفي وزارة الثقافة قال لـ«العربي»، إن «حالة عدم حضور موظفي الدولة إلى وظائفهم، خاصة بعد توقف الاحتجاجات وقطع الشوارع؛ تعبر عن حالة اللامبالاة من الموظفين، وأعتقد أن هذا لا يمكن أن يكون قائما إلا لأنهم على ثقة من عدم قدرة المسؤولين على اتخاذ العقاب القانوني الرادع»، وأعاد أسباب عدم اتخاذ العقوبات الرادعة في الوزارات والمؤسسات الحكومية، ضد تهاون غالبية الموظفين عن الحضور بقوله: «لأن الوزارات ما زالت تؤدي دور شكلي حتى الآن، فالوزراء كلهم مازالوا في الرياض وكذا رؤساء المؤسسات المهمة في الدولة، والنواب أو الوكلاء هم من يسيرون الأعمال هنا في عدن، ومن المؤسف جدا أن تجد هؤلاء يعملون بصلاحيات محدودة، لأن الوزراء والمسئولين المقيمين يحتكرون القرارات، وكل ما يتعلق بميزانيات التشغيل، مما جعل الأمر سائبا أمام الموظفين».
وصاية «الانتقالي»
ويرى مراقبون؛ أن ترك رئيس الدولة ورئيس الحكومة لعدن في الأشهر الأخيرة، لم يكن له ما يبرره، فالأوضاع الأمنية بدأت تستقر بوجودهما مؤخرا، والمؤسسات الحكومية بدأت تدريجيا بأداء مهامها، إلا أن عودتهما إلى الرياض، جعل كثيرين يرون أنهما على علم مسبق بمآلات الأوضاع الاقتصادية المتردية، وأن سعر العملة الوطنية سيشهد هذا الانهيار المتسارع، ففضلا عدم خوض المواجهة مباشرة مع المواطنين، ومحاولة وضع معالجات من الخارج وهي المعالجات التي لا ترتقي إلى الحد الأدنى من المسئولية.
هذا الأمر فتح المجال أمام «الانتقالي الجنوبي»، ليفرض حضوره على الواقع، ومنها التقرير بمنع توريد إيرادات بعض المحافظات إلى البنك المركزي في عدن، ومنها محافظتي الضالع وحضرموت، وحتى الآن لا يوجد أي رد حكومي إزاء هذه التصرفات، ناهيك عن تقريره مؤخرا فرض إتاوات مالية على قيمة المشتقات النفطية في مدينة عدن، وتسليمها له مباشرة.
إلى ذلك تحدث إلى «العربي» أحد المدراء المعنيين في شركة النفط بعدن، فضل عدم ذكر اسمه، قائلا: «فوجئنا اليوم الثلاثاء 10 سبتمبر بمحاصرة مقر شركة النفط بميناء الزيت من قبل أطقم من الحزام الأمني، وتريد فرض 6 ريالات كحد أدنى على قيمة كل لتر بنزين أو ديزل يخرج من مقر الشركة، حيث وإن هذه الحصة من المشتقات النفطية حكومية وتباع بمبلغ 6500 ريال، وفي حالة رفع السعر عن هذا الحد سيؤدي إلى فتح شهيتهم للمزيد من الابتزاز»، مضيفاً «وحاولنا إقناعهم بعدم قانونية مثل هكذا إتاوات، ردوا علينا أنها بمقابل الدور الأمني للحزام في حراسة الشركة، وتأمين الناقلات ومحطات توزيع المشتقات». هذا الإجراء أدى إلى توقيف شحن المشتقات النفطية من شركة النفط ومصافي عدن، وتشير التوقعات إلى أن هذا التوقف لن يستمر طويلا، وأن الشركة ستصل إلى معالجة للموضوع في الساعات القليلة القادمة، وستكون المبالغ المضافة أمرا حتميا.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.